النحاس... تراث يتجدد
تُعدّ حِرفة النحاس من أقدم وأعرق الحِرف اليدوية في العالم العربي، حيث تعود جذورها إلى آلاف السنين، عندما بدأ الإنسان في تشكيل المعادن لاستخدامها في حياته اليومية. وقد ازدهرت هذه الحرفة في العديد من المدن العربية مثل دمشق، فاس، القاهرة، وصنعاء، وارتبطت بالفن الإسلامي والعمارة التقليدية.
يُعتبر النحاس من المعادن اللينة التي يسهل تطويعها وتشكيلها، مما جعله مادة مثالية لصناعة أدوات المطبخ، الزينة، الأواني، المصابيح، والنقوش الفنية. يتم تطويع النحاس يدويًا باستخدام أدوات بسيطة مثل المطرقة والإزميل، ويزيّنه الحرفي برسومات نباتية وهندسية وزخارف دقيقة تعبّر عن الهوية الثقافية للمنطقة.
في الأزمنة الحديثة، بدأت حرفة النحاس تتراجع أمام زحف الصناعات الحديثة والبدائل الأرخص، مما أدى إلى انقراض بعض مدارسها التقليدية. لكن في المقابل، شهدت الحرفة نوعًا من الانتعاش مؤخرًا، بفضل اهتمام السياح والمبادرات الثقافية التي تهدف إلى إحياء التراث وحماية الصناعات التقليدية.
حِرفة النحاس لا تقتصر على الجانب الجمالي فقط، بل تحمل بُعدًا تراثيًا وهويّاتيًا، إذ تعبّر عن الإبداع الإنساني والتواصل بين الأجيال، وتُعدّ شاهدًا حيًا على تاريخ الحضارات التي مرّت بهذه الأرض.
إن الحفاظ على حِرفة النحاس مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الثقافية والحكومات والمجتمعات المحلية، لضمان استمرارها كمصدر فخر وإبداع وهوية.